إلى روح فاطمة المرنيسي
أول ما استفسرته بالسؤال عن أخيه،الذي لم ألتقيه منذ فترة طويلة،بادرني مجيبا،ولم أكمل بعد متواليات جملتي: ''لقد هاجر إلى كندا لإتمام الدراسة،صحيح أن الأسرة ستفتقده كثيرا،غير الحديث عن تكاليف الدراسة الثقيلة،لكن لا يهم،الأساسي أنه عثر أخيرا بعد دق ماراطوني للأبواب،على مرفأ الأمان.فكما تعلم وحكى لك مرارا،لقد تقاذفوه هنا طيلة سنوات يمنة ويسرة بين الوعود ووهم الوعود… " .
في الوقت الذي تستعاد فيه ثانية أغاني بوب ديلن، أطلقت شركة ''كولومبيا''حملة تحت شعار ''لاشخص يغني ديلن مثل ديلن ".وقد نضيف كذلك،بأنه لاشخص كتب عن ديلن مثلما صنع ''غريل ماركيوز''(هو رئيس تحرير سابق لمجلة ''رولينغ ستون''وهو بكل تأكيد مؤرخ الروك الأكثر شهرة.عمله المعنون ب''Mystery train ''(1975) ،يشكل أول محاولة جادة لفهم هذه الموسيقى )،وهو ناقد ومؤرخ موسيقى الروك الذي خصص ل ديلن ثلاث مؤلفات. من خلال هذا الحوار،يستحضر الكيفية التي عايش بها ديلن كلماته،ثم موقعه ضمن سياق الموسيقى الشعبية الأمريكية،وكذا حيثيات أغنيته المعنونة ب''like a rolling stone"،وكذا طبيعة مزاجه الفكاهي .
عداء الماراطون الياباني،الذي أخضع نفسه لنظام يشبه قطعة موسيقية، أصدر رواية جديدة،كرسها لشخصية تعاني من تفاهتها المزمنة.في زيارة لهاواي،حيث يستقر الكاتب غالبا : ''إننا نضجر كثيرا هنا''المثال الأعلى بالنسبية إليه،كما يقول.
كي تلتقي موراكامي،لا تفكر أبدا في الوجهة نحو طوكيو؟بل الذهاب إلى ''هونولولو''.لقد اختار أن يعيش هناك:وسط فضاء غير قابل للتشكل دائما مثل حكاياته أيضا،الضياء الجبال ثم شاطئ وايكيكي الأسطوري:المسافر الذي يصل هناك ينغمس بين طيات حلم مناخ تقارب حرارته ثمان وعشرين درجة يغمره أريج الورورد الاستوائية.هو الفردوس على الأرض.لا يوجد أي شخص على الشاطئ :فمنذ صدور قرار صارم يمنع التدخين هناك واحتساء الخمر أو تناول الطعام،اكتفى السياح بطلب أصناف الشراب داخل حانة الفندق المكيفة.أغلبهم يأتي من اليابان،فهم سلالة الطيارين الذين هاجموا ذات يوم من سنة 1941،بطائراتهم بيرل هاربر . هل يعلمون بأن مواطنهم، هاروكي موراكامي الكاتب الشهير يقطن الجزيرة ذاتها؟
أي طالب، متطوع كسكرتير قد يتشكى من حالة مكتب هاروكي موراكامي،قياس يقارب ست ميترات مربعة،الرف المعدني فارغ تقريبا إلا من بعض الكتب اليابانية، طاولة تكاد تكفي حاسوبا، ثم كظيمة وإناء .هنا أيضا يستقبل موراكامي مرتين في الأسبوع طلبة الجامعة الذين يودون إجراء حوار أو فقط الحصول على توقيع. إنه يستفيد بالتالي من قبل جامعة ''هونولولو''،بوضعية تقريبا''كاتب مقيم''إلى غاية السنة المقبلة.لا تكليف بالتدريس ولا الإشراف على ورش للكتابة الإبداعية،فقط مجرد محاضرة بين الفينة والثانية.يرتدي موراكامي حذاء رياضيا،وبيرمودا جينز ثم قميصا منقطا بمربعات فوق ''التي شرت''. لقد أراد القدر أن ترسم مظهره أطياف عدة تبدو بأن ليس لها قط جامعا مشتركا :جسده يعكس سن رياضي في الثلاثين،ثم وجهه يحيل على رجل بلغ سن الأربعين.أما بخصوص حالته المدنية فقد احتفل بداية سنة 2014 بميلاده الخامس والستين.
ليس موراكامي فقط مجرد أحد الكتاب الذين يدرج اسمهم ضمن المرشحين للفوز بجائزة نوبل للآداب،بل يعتبر كذلك من بين عشرات المؤلفين أصحاب الكتب الأكثر تسويقا في العالم.موراكامي الشغوف بجمع الأسطوانات والذي أدار ناديا للجاز في طوكيو قبل التزامه بوظيفة كاتب منذ سن التاسعة والعشرين. من بين رواياته الأكثر تداولا:مطاردة خروف بري ،نهاية الأزمنة،نزهة المستحيل، يوميات طائر الزنبرك،كافكا على الشاطئ،دون أن ننسى صدور قصص كثيرة جدا على صفحات مجلات،جمعت في كتب لكن يبقى الكثير منها ينتظر المبادرة إلى ترجمتها.
بالنسبة للفرنسية:"الفيل تبخر"(منشورات بيلفوند)ثم "بعد الزلزال" . صدر له مؤخرا : "تسوكورو تازاكي عديم اللون وسنوات مزاره". مقارنة مع الأجزاء الثلاثة لعمله الهائل : 1Q84 (1600صفحة في المجموع) ،والتي اشتغلت على مختلف سجلات الملحمة الخرافية،إنها رواية''صغيرة''من 400صفحة،بحبكة فعالة،في حالة تحولها إلى سيناريو سينمائي.عمل يروي حكاية رجل في الثلاثين من عمره تخلى عنه فجأة أصدقاؤه الأربعة الوحيدين منذ فترة شبابه،دون أن يفهم سببا لذلك.لا يمتلك السيد تازاكي أي مؤشر :من بين خمسة عناصر تلك المجموعة،كان الوحيد الذي لا يشير اسمه إلى لون.ولكي يتخلص من مأساته حياته التي صارت مكفهرة كليا ،سيبادر إلى القيام بسفر قصد العثور على أصدقائه الذين فقدهم ويكتشف سبب تلك القطيعة.
ليفي ستراوس، لاكان، ألتوسير،فوكو، ديريدا، بارت : جميعهم تأثروا بفرديناند دي سوسير،حتى ولو حاولوا تفنيد ذلك.
نادرة،هي المؤلفات التي غيرت مجرى تطور الفكر البشري.بدون كتاب دروس في اللسانيات العامة لفردينان دي سوسير، كان للقرن العشرين أن يسلك وجها مختلفا كليا،على الأقل فيما يخص تاريخ العلوم.علاوة على اللسانيات نفسها،الفلسفة، الأنثروبولوجيا،الاثنولوجيا، التحليل الأدبي، التحليل النفسي،وكذا حقول أخرى تأثرت بهذا البحث ،الذي لا تنطبق عليه التسمية الأخيرة بالمعنى الحرفي للكلمة، مادام الأمر يتعلق بملاحظات دروس تم توضيبها بورع من طرف تلامذة هذا اللساني الكبير. هم من أعادوا صياغة النص الذي يوضح الفكر الخصب والجديد جذريا لأستاذ جنيف.