تقديم :توفي الفيلسوف الماركسي اللامع، لوي ألتوسير يوم 22 أكتوبر 1990، بعد أن راكم متنا نظريا مهما، بوّأه مقاما، ضمن أهم فلاسفة ومفكري القرن العشرين، الذين أحدثوا نقلة نوعية على مستوى تاريخية المفاهيم. كلنا، يعلم إضافاته الرصينة إلى الأدبيات الماركسية، بعد إعادة قراءته الثاقبة للمتن الماركسي وكذا التأويلات المنهجية الجديدة التي رافقت هذه القراءة، في أفق إخراج النظرية من عنق زجاجة التمثل الأرثوذوكسي، العقائدي الجامد، كما عانته الماركسية داخل تنظيمات اليسار التقليدي، لاسيما في أوجهها الستالينية، والبحث عن الآفاق الرحبة التي تفتحها المقاربات الإبستمولوجية. مستفيدا من مؤلفات باشلار وفرويد وستراوس ولاكان والبنيوية.
بيد، أنه لا أحد من تلامذة ألتوسير وأتباعه وعشاقه، بل خاصة المدرسة الفلسفية الفرنسية، واليسار الفرنسي، قد توقع لوهلة، صيرورة عبقريته الأريبة إلى تلك النهاية المأساوية،بعد الحادث الذي جرى يوم 16 نوفمبر 1980، حينما قتل زوجته إيلين ريتمان داخل شقتهما المتواجدة بالمدرسة العليا للأساتذة بباريس،جراء إصابته بحالة جنون حادة،مما شكل انقلابا في مصير الرجل،لم يكن واردا بتاتا في الحسبان.
يقول: "لقد قمت بخنق زوجتي التي جسدت لديّ كل العالم، إبان أزمة عصبية طارئة، شهر نوفمبر 1980 نتيجة خبل ذهني. زوجتي، التي أحبتني إلى درجة أنها توخت الموت، متى عجزت عن تحقيق ذلك. بلا شك، لحظة جنوني وبممارسة لا واعية ''قدمت لها، هذه الخدمة''، وماتت دون أن تدافع عن نفسها".
حيثيات القضية، سيتطرق إليها،ألتوسير عبر صفحات سيرته الذاتية، التي جاءت تحت عنوان:(المستقبل يدوم طويلا)،الصادرة عن منشورات «ستوك» سنة 1992، فترة بعد وفاته....
من خلال هذه الحلقات الطويلة،سنصغي ثانية إلى ألتوسير وهو يروي بدقة متناهية،على لسانه الوقائع التراجيدية،إبان صبيحة ذلك اليوم من أيام بداية سنوات الثمانينات.
الخميس 12 غشت 1948
آه حبيبتي،كم كنتُ سعيدا بالأمس. لقد صادفتُ رسالتكِ حين عودتي مساء .وقد قضيتُ اليوم بأكمله في جبل فوكلوز Vaucluse،على هضبة مقفرة، مفتونا بالدفء، و زيز الحصاد ثم الأدغال اليابسة.
في طريق العودة قلتُ مع نفسي ربما تنتظرني رسالتكِ(يمر ساعي البريد ظهرا). هكذا وجدت أمامي رزمة رسائل أغراض مختلفة ثم وأنا أتصفحها بسرعة لم أنتبه لرسالتكِ.لحظتها،أحسستُ بتضاعف كبير لتعب مشي ذلك اليوم الطويل وأيضا بنوع من الجفاف. لكن حينما صعدت إلى مكتبي،عثُرتُ على ما ترقبته. صار خط كتابتكِ صغيرا إلى حد ما،بينما توقعت كما الشأن معكِ سابقا،انحناءاته وانثناءاته الجامحة.
الخميس 12 غشت 1948
آه حبيبتي،كم كنتُ سعيدا بالأمس. لقد صادفتُ رسالتكِ حين عودتي مساء .وقد قضيتُ اليوم بأكمله في جبل فوكلوز Vaucluse،على هضبة مقفرة، مفتونا بالدفء، و زيز الحصاد ثم الأدغال اليابسة.
في طريق العودة قلتُ مع نفسي ربما تنتظرني رسالتكِ(يمر ساعي البريد ظهرا). هكذا وجدت أمامي رزمة رسائل أغراض مختلفة ثم وأنا أتصفحها بسرعة لم أنتبه لرسالتكِ.لحظتها،أحسستُ بتضاعف كبير لتعب مشي ذلك اليوم الطويل وأيضا بنوع من الجفاف. لكن حينما صعدت إلى مكتبي،عثُرتُ على ما ترقبته. صار خط كتابتكِ صغيرا إلى حد ما،بينما توقعت كما الشأن معكِ سابقا،انحناءاته وانثناءاته الجامحة.
سيبقى دولوز في تأملاته المتعددة للنشاط الأدبي،منتبها خاصة للتقنية الاجرائية التي تجعله ممكنا وتعطيه نكهته النوعية. يستحق انتباه كهذا، التذكير به سواء من خلال محاور قوته أو كذا مثيراته العميقة.
إذا كان الأدب بالنسبة إليه،إبداعا لعوالم،فتحديدا لأنه يتبنى دفعة واحدة التقنيات المناسبة التي يظل وفقها لغة أصيلة. فقط بواسطة بيداغوجية بارعة ويسر ،نميز في إطاره العالم الذي أُبدِع ثم الوسائل الإجرائية التي تمكن من بلوغه.