يقول سعيد بوخليط :''هذه التأملات محض بوح ذاتي،حوار مع الذات،همسات نفسي،وأنا أتفاعل كِتابيا قدر ماتسعفني ألفة العبارة،حتى لاتكون مضلِّلَة، زائفة،مواربة،فاترة،محنَّطة،حيال ارتدادات جريمة بصيغة الجمع اللامتناهي،المتوالية مشاهدها المدوِّية في حقِّ الفلسطينيين منذ الثامن أكتوبر،أمام أنظار الإنسانية برمَّتها،في حضرة العالم ''المتمدِّن''للأسف،احتفالا همجيا بالموت،ونكاية بأسباب الحياة؛مثلما ينبغي لها أن تكون حياة.
حاولت،قدر مابلغه تمرين إنسانيتي،حتى لاتغدو واقعتها متحلِّلة ومتعفِّنة،رصد بعض القضايا الموصولة،سواء بأشواط المعركة الدائرة حاليا،المنفتحة حتما على مختلف الاحتمالات،دون خَطِّية التفاؤل أو التشاؤم المترهلة،وكذا ممكنات إشكاليات أخرى طرحتها دائما وستطرحها باستمرار القضية الفلسطينية،مادامت العدالة الأممية مشلولة غاية الآن بخصوص إنصاف الفلسطينيين،وإخراجهم من واقع الحِجْر التسلُّطي الذي يكابدونه منذ نكبة 1948 .
يوميات تأملية،ليست حقيقة بالعمل التوثيقي الدقيق،بغية الارتقاء بها صوب مرتبة المرجعيات الأكاديمية التاريخية،فهذا السعي متروك لأهل الاختصاص القادرين على الرَّصد والتوثيق والشرح وتدقيق الهوامش والحواشي ثم صياغة خلاصات الرؤى الملهِمة،ربما شَكَّلَت حينها عبرة لمن يريد استشراف المآلات ببصيرة وحِنكة.متواضعة جدا قدراتي الفكرية ومرجعياتي المعرفية،قياسا لهذا التطلُّع.
فقط،هي مجرد مونولوغات ومناجاة تطهيرية،تراوحت سردياتها بين هذا المنحى وذاك،حسب مقتضيات سياق الموضوعة المتوخى مقاربتها،ثم مساءلة حيثيات منظومة العالم المعاصر القيمية أساسا،وقد انتصرت توجُّهاتها صوب احتضان مبرِّرات الجور، الظلم، عبر التباهي علانية ومؤسَّساتيا بالاحتقار و مراكمة الحقد وتوطيد العنف.
أفق جهنَّمي،تدميري،يسرع لامحالة بالجميع،نحو الخراب الشامل،إذا لم يتدارك القانون أخيرا كنهه الإنساني،ثم استعاد العالم بعد كل شيء توازنه الطبيعي.إنها،دعوة طارئة أكثر استعجالا من تداعيات الاحتباس الحراري.
لايمكن قط الاستسلام إلى ملاذات الصمت،أو الحياد،فماجرى ويجري داخل فلسطين أكبر كثيرا من سياقه المكاني،أو الوقوف عند حدود اختزاله إلى مجرد محدِّدات تجزيئية،تنتصر عاطفيا أو تعليلا،لهذا الجانب فقط دون غيره.إنها قضية تشمل الإنسان في مجمله،ثم الوضع البشري على مستوى سموِّ تجربته.
جاءت هذه اليوميات،قصد التقاط جانب مما يحدث،والسعي إلى حفظه بين طيَّات الورق،أنبل وأعزُّ صديق حميمي للإنسان على امتداد التاريخ رفقة الكتابة،بهدف تعقُّب آثار الجريمة،لغويا وذهنيا ونفسيا،بكيفية مغايرة لمنحى اللغة المسطَّحة أو التقريرية المباشرة،مهمَّة يتكفَّل بها طبعا الخطاب الإعلامي؛وقد بلغ اليوم مداه مبلغا جبّارا من التوغُّل والتغوُّل والتسيُّد،بل كيان الصورة اللحظي قدر سرمديته يغني تماما عن كل وصف لغوي،مهما اجتهدت أبعاد حِذقه.
ببساطة،حاولت الإصغاء إلى ضميري ونداء إنسانيتي،وفق منتهى جدوى وجودي،مادام الحديث عن قضايا من هذا القبيل مثلما الشأن مع القضية الفلسطينية،يعتبر أولا وقبل كل شيء،اختبارا لمعنى أن أكون إنسانا جديرا بهذه الهوية.