قراءات في كتب إبستمولوجيا كارل بوبر : قراءة في كتاب روني بوفريس* بقلم: سعيد بوخليط
2019 - 10 - 30

بوبر/ باشلار :

 مثَّل بوبر إنجليزيا وعلى الجانب الآخر من أوربا، الثورة ذاتها؛ التي توخى باشلار على امتداد أكثر من ثلاثين سنة تكريس لبناتها، وفي حقول معرفية إنسانية متعددة. أشير هنا خصوصا إلى القسمين الكبيرين : الرياضيات والأدب.لكن عقلا موسوعيا كما الشأن مع باشلار، أدرك كيفية تأليف المتعدد؛بمنطقه الذي انزاح عميقا بالاستعارات من ترميزات رياضية وتمارين لغوية ،إلى افتتان بالوجود ثم تشكلات الموجود .

* أي شيء يجمع بين كارل بوبر وغاستون باشلار؟ .

1 – نحت الاثنان، مساحات كبيرة وعميقة وجديدة من التفكير الإنساني فترة القرن العشرين. صحيح أن أطروحاتهما، أصبحت اليوم مجرد " أرشيف"؛لهذا التفكير قياسا لتطورات العلوم الحالية. لكن خلال لحظتها مثلت ثورة معرفية ومفهومية ومنهجية نوعية.كما أن اجتهاداتهما الفلسفية/العلمية، شكلتا رافدا لامحيد عنه لاستيعاب المنظومة الابستمولوجية المعاصرة .

 2 – دفاع بوبر وباشلار ، المستميت عن البناء المستمر والدائم للحقيقة :

          - مبدأ التكذيب عند بوبر .

          - فلسفة النفي مع باشلار  

وإدخالهما الخطأ إلى قلب التفكير العلمي ،على اعتبار أولانيته التأسيسية مثل" الصحيح" تماما ".

لقد رسما فعلا ذلك، ثورة بالمفهوم الكوبرنيكي؛ وخلقا منافذ شتى أمام اجتهادات التفكير الإنساني. مما أرسى؛إطارا نظريا معرفيا ومفهوميا،لحقول البحث الجديدة التي جاءت بها النظريات الفيزيائية والرياضية في القرن العشرين.

3 – لعبت النظرية الإبستمولوجية سواء مع بوبر  أو باشلار، دورا كبيرا في توضيح وتبسيط بعض التطورات العلمية كما الشأن بالنسبة لنظرية النسبية وكذا فيزياء الكوانطوم . أفق، استعصى على الكثيرين نظرا للتعقيد النظري والمفهومي، وكذا البناء الهندسي الغريب كليا لتلك النظريات .

4 –تأكيد باشلار وبوبر؛على القيمة المعرفية والتاريخية لانفتاح الحقيقة العلمية.سياق مختلف؛ غيَّر مسار تاريخ العلم، مؤسسا لديكارتية جديدة قادرة على الانصات لحيثيات هذا الواقع الجديد. فقد أعطى ذلك انعطافة جديدة لطبيعة المساحة التأملية التي يمكن أن تأخذها علاقة النظرية بالواقع . تراجعت نحو الخلف كل قاعدة مطلقة أو بداهة واضحة بذاتها.

ظل الاعتقاد راسخا؛ انطلاقا من ثوابت المنطق الأريسطي بأن( أ = أ ) وكون الحقيقة تطابق الواقع. لأن العلم يقين مطلق. لكن نظرية بوبر وباشلار، وقد استندت أساسا على منطق ارتيابي متعدد الأبعاد، جاءت تعبيرا عن منظور الاحتمال والممكن الذي انتهى إليه تاريخ العلم .

5 - دافع بوبر وباشلار؛ غاية آخر يوم في حياتهما عن المجتمع المنفتح المؤمن بقيم التعدد والاختلاف. بالتالي، رفضهما لكل أشكال الدوغماطيقية والتوتاليتارية، التي تقود إلى أسوأ المؤسسات الاجتماعية؛ وأوليغارشيات سياسية تحكم الشعوب والمجتمع بالحديد والنار .

مجتمع يعانق مطلقا قيم الحداثة والاختلاف، ويدافع عن المدرسة خاصة لأنها الفضاء الذي يثري الأفكار بالحياة. وحدها الأخيرة؛ تصنع تاريخا للمجتمع .

في هذا الإطار، اشتغل بوبر على كتابين أساسيين:

* عقم المذهب التاريخي.

*المجتمع المنفتح وأعداؤه .

بالتالي،أمضى صراحة؛بيانا ضد أعداء الحياة . كما أن مفاهيمه الإبستمولوجية، وخاصة تأطيره النظري لقابلية التكذيب والتفنيد؛سيشكل حاجزا وسدا منيعا أمام كل تأويل يتوخى بشكل من الأشكال إعطاء مبرر معرفي أو إيديولوجي لأية نظرية تتوخى الشمولية والتسيد المطلق .

صحيح أن باشلار؛ من جهته، لم يصدر عملا يظهر مباشرة شحنة إيديولوجية سجالية، بيد أن مشروعه العلمي والأدبي، سواء على مستوى العلم والشعر؛ استند ضمنيا على قوة خلفية معرفية، تمثلت في الايمان ب: النفي والتجاوز المستمرين .

6- تذكرنا الموسوعية؛ التي ميزت فكر بوبر وباشلار،بالنظام المعرفي إبان القرن الثامن عشر . كما أن مفاهيمهما ، خلقت تفكيرا جديدا في علاقة الذات بالعالم والآخر . وبالتأكيد، فقد شهدت معارف القرن العشرين، ثورة على مستوى النظرية والمنهج وكذا المفهوم.

                                    

خلال إحدى مراسلاتي، فيما مضى مع الباحثة الأمريكية " تيريزا كاستيلاو- لاولس"(1)؛ أخبرتني بأنها تفكر وتحدس الملامح الأولى، لمشروع بحث أكاديمي؛يتعلق موضوعه بممكنات الاتصال والانفصال بين باشلار وبوبر تقول:(( أما المقارنة بين غاستون باشلار وكارل بوبر فهو مشروع إجازتي نصف السنوية (شتاء 2005).من اللازم إذن،قراءة كل أعمال بوبر مسألة تتطلب الوقت. لحسن الحظ، كتب أغلب أعماله بالإنجليزية، بالتالي غير مطروح بالنسبة إلي، مسألة الترجمات غير الدقيقة لعمله ... المداخلة التي ألقيتها ب "فيينا" بمناسبة مئوية ولادة كارل بوبر،شكلت تحليلا مقارنا بين بعض المواقف اللاوضعية. المظهر الأكثر قوة لهذا التماثل أن" التخمين" لدى بوبر يشبه دور الاستقراء في العلم بالنسبة لغاستون باشلار. لقد ابتدأ الاشتغال باكتشافي لعرض أنجزه باشلار سنة 1936 بعد  صدور كتاب بوبر" منطق الاكتشاف العلمي " سنة 1934 بألمانيا. وأعتقد بأن باشلار لم يدرك النقطة الأكثر دقة لهذا العمل، ونظرا خطأ إلى بوبر كنموذج للوضعية. في الواقع، أعلن بوبر منذ المقدمة بأنه يبتغي كليا إسقاط الوضعية المنطقية )).

أعجبتني الفكرة كثيرا، خاصة وأن اسم بوبر ظل يثير دائما مشاعر خاصة نحوه. منذ أواسط سنوات التسعينات؛عندما صادفت نسخة من كتابه: منطق الاكتشاف العلمي، بين رفوف خزانة المركز الثقافي الفرنسي بمراكش.بالتالي،فكرت أنا كذلك في جعله" ضيفا" على باشلار.

 

وبينما أنا بصدد تجميع متن بوبر.صادفت كتاب روني بوفريس الصادر  حديثا آنذاك. توخيت بداية ،إنجاز مقاربة تلخيصية تعريفية للعمل كإصدار جديد .لكن بين طيات ذلك، تبين لي أن كتاب:العقلانية النقدية عند كارل بوبر ثم السيرة العلمية لصاحبته، ينطويان على قيمة معرفية كبيرة.لذلك،من الأمانة العلمية والتاريخية إن صح هذا التأكيد إعادة كتابته باللغة العربية نظرا لي : 

قراءات في كتب جوزيف كيسيل في سوريا
2016 - 08 - 26

"من يفسر لماذا نُقتل ومن يقتل؟. في الحقيقة، إذا كان من عذر لافتقاد المعلومة،فبوسعنا البحث عنها ضمن التعقيد المرعب الذي يسود سوريا''،هذه الجملة المكثفة والمركزة جدا،قدر استشرافها البعيد المدى،انطوت عليها إحدى فقرات كتاب جوزيف كيسيل،الذي يعود تاريخه إلى أواسط سنوات العشرينات.المفارقة المدهشة،رغم قدم المسافة بعقود طويلة،فبالتأكيد،عبارة لازالت تنطبق حتى اليوم، ربما تمام الانطباق،بدون مبالغة،على ماتعانيه سوريا :مجرد مطالب مشروعة،لشعب بحقه في دولة مؤسساتية مدنية،تنتسب إلى العالم المعاصر،غدت بجرة غفلة من الجميع،صراعا همجيا يلامس باستمرار أقصى درجات الضراوة. قدر أيضا،تبلور أعتى مستويات اللا-معقولية،التي يعجز أي ذهن بشري عن تمثلها.إذن :لما تعاني سوريا ما تكابده؟ لماذا يقتل الناس هناك؟ من القاتل؟ثم أساسا وقبل كل شيء ما دواعي ومبررات القتل؟حتما ،العبقري كيسيل استبق غفلتنا جميعا.

قراءات في كتب علاء الدين صادق الأعرجي: التذكير بثوابت النهضة
2016 - 06 - 23

عن منشورات إي – كتب،التي يشرف عليها الكاتب والصحافي العراقي،الأستاذ علي الصراف،صدر شهر ديسمبر 2015،كتاب تحت عنوان :إشكالية التربية والتعليم وإعادة إنتاج التخلف في الوطن العربي،بحث في علاقتها بنظرية العقل المجتمعي. حلقة موصولة،بحلقات مشروع نظري، راكم صاحبه الأكاديمي العراقي علاء الدين صادق الأعرجي،مداخل إطاره الحجاجي،عبر أعمال سابقة أخرى، هي :''أزمة التطور الحضاري في الوطن العربي بين العقل الفاعل والعقل المنفعل''،''الأمة العربية بين الثورة والانقراض''،''الأمة العربية الممزقة بين البداوة المتأصلة والحضارة الزائفة''.

تحميل المزيد
لا مزيد من المشاركات لاظهار